البانوراما ده بيقدمهالنا زميلنا أحمد .. و زي مهتاخدوا بالكم هو بيتكلم بالنحوي حبتين .. كل واحد و علامه بقى !
في ساعة من ساعات السحر وأنا أتصفح محاضرات الدورة إذا بمجموعة من الأسئلة والأصوات الداخلية تتقمصني ,فإذا بصوت المؤرخ, والسياسي والمثقف والاجتماعي وكلها تحاول تحليل وقراءة المحاضرات وفق رؤيتها ومنهجها العام , وهو ما حدث بالفعل بالرغم مما تسببوا لي فيه من عدم النوم لفترة طويلة , إلا أن أسئلتهم وتحليلاتهم وحواراتهم أمتعتني وأتعبتني في الوقت ذاته :فبدا المؤرخ في الحديث , وقد بدا جميل الهيئة , منمق الكلام ,عليه سمت الوقار, وبدأ قائلا : ألا تلاحظون أيها السادة إن اغلب المحاضرات تدور كلها في فلك التاريخ أو التأريخ للأحداث أو للأشخاص , فمثلا تناولنا الفترة التي أصبح فيها محمد علي باشا واليا على مصر من العام 1805 الى العام 1848 سنجد انه بدأ جديا في تكوين دولة تحاول أن تجد لها مكانا تحت الشمس وان يساهم في حداثتها المدنية في كل مجال , حيث قام باستقدام العلماء والفنيين والعسكريين وأهل الصناعة من اجل إيجاد قاعدة علمية في مصر ,لبناء نهضة شاملة في جميع المجالات ,كما لاحظت من خلال المحاضرات انه في غمار عملية التحديث تلك قام بتأسيس الدفتر خانة في العام 1829 من اجل حفظ المكاتبات الرسمية لدولته , لكنه لم يكن يعلم انه يقدم خدمة جليلة لمصر ولذاكرتها الوطنية ولباحثيها ومؤرخيها بحفظه لهذه الوثائق القيمة , وتابع المؤرخ حديثه "ثم أيها السادة الفضلاء إن خلفاء محمد على استكمل بعضهم مسيرته كإبراهيم و إسماعيل الذين اخذوا على عاتقهم بناء الدولة تماماً كما أخذ بعضهم على عاتقهم هدم الدولة رأساً على عقب !, وواصل السياسي الحديث قائلا: إن محمد علي خاض حروبا كثيرة من اجل ضم ممتلكات وممالك لمصر لتكون إمبراطورية يكون هو علي رأسها , لكن الدول الكبرى لم تكن ترضى بهذا الوضع , فعملوا على تحجيمه , وبالفعل عقد مؤتمر لندن في العام 1840 وصدر فرمان 1841 بان يكون لمحمد علي وذريته من بعده حكم مصر على أن يتنازل هو عن كسبه من أراض ودول , وهو ما حدث بالفعل ,وهنا تدخل المثقف قائلا ألا تتفق معي أيها السياسي إن ذلك يعد سياسة توسعية , لا تتفق مع حقوق الإنسان وحقوق الشعوب التي تتوق الى الحرية والعدل لا الى الاستعمار والظلم تحت أي مبرر , وهنا رد عليه السياسي , أيها المثقف الحر أن العصر الذي كان يعيش فيه محمد علي كان عصرا استعماريا الم تنظر الى فرنسا وبريطانيا ونظيرتهما اسبانيا والبرتغال الذين كانوا أكثر تقدما ومدنية وثقافة وحضارة وانطلقن منهم بذور التنوير الأولى الى العالم اجمع وبالرغم من ذلك كانوا مستعمرين من الطراز الأول , فالظروف السياسية تحتم على الإنسان فعل أشياء لا تتفق مع المبادئ والمثل يا صاحبي , وهنا قال المثقف إن ما يهمني في الأمر هو البعثات التي أرسلها محمد علي الى الخارج من اجل مساهمة هؤلاء المبتعثين في عملية التحديث التي كانت تجري على قدم وساق وقتذاك , فوجدنا أباء النهضة من رفاعة رافع الطهطاوي مرورا بعلي باشا مبارك الى حمدي الفلكي وغيرهم من رواد النهضة الحديثة , كما ينبغي ألا نغفل التيار الفكري الذي أحدثه جمال الدين الأفغاني وتلميذه النجيب محمد عبده حيث ظهر جناحين لهذا التيار الأول إسلامي بقيادة مصطفى كامل ورشيد رضا والثاني ليبرالي بقيادة احمد لطفي السيد وسعد زغلول, وما كان لهؤلاء التلاميذ من دور جليل في الحركة الوطنية والفكرية في مصر في القرنيين التاسع عشر والعشرين , وتابع المثقف حديثه ألا ترون أن تأسيس الجامعة الأهلية كان بمثابة الشرارة التي ولدت في المصريين روح التحدي في الانتصار على الجهل الذي هو صنو الاستعمار ,كما انه من الأهمية بمكان وضع انطلاق الصحف التي كانت لها مهام تثقيفية وسياسية من طراز خاص , خصوصا أن القائمين عليها كانوا سياسيين ومثقفين من طراز رفيع كلطفي السيد ومحمد حسين هيكل ,ومحمد فريد أبو حديد وغيرهم كثر , ثم جاء الدور على الاجتماعي من اجل الحديث فقام في هدوء وقال : "أيها السادة لي قراءة اجتماعية مغايرة لما قلتموه ألا تلاحظون من الوثائق التي تعرضنا لها سواء وثائق السجلات الشرعية او وثائق المرأة في العصر العثماني أو وثائق (العرضحال) أننا بصدد أنماط اجتماعية مختلفة ومتميزة , فنلاحظ مثلا من وثائق الزواج كيف كان للمرأة نفوذ وتحكم في بعض الطبقات وبعض الأماكن حيث كانت تفرض شروطاً على من يتصدي للزواج منها ، فكانت تتمسك بتحديد المهر وصفات مسكن الزوجية والكسوة التي تخصها في العام بدقة شديدة, وهو ما ينبئ عن قيمة اجتماعية راسخة هي الاحترام العميق للمرأة وحقوقها الشرعية في ذلك الوقت المبكر على غير المتوقع ,أما عن وثائق العرضحال والتي أظهرت لنا كيف استطاع المصريون أن يدافعوا عن أنفسهم إزاء أي ظلم يتعرضون له عبر القنوات الشرعية للاحتجاج وهو ما يكشف عن توق هؤلاء الناس في ذلك الوقت العدل والعدالة الاجتماعية , وعدم الاستسلام للأمر الواقع ,كما لا يمكن أن نغفل الوثائق التي تحدثت عن علاقة المسلمين بالأقباط و كم المعاملات التاريخية بينهم في البيع و الشراء وهو ما ينفي فكرة التعصب عن هذا الشعب و التي لا تظهر عادة إلا مع الظروف الاقتصادية و الاجتماعية الخانقة, وهنا تدخل السياسي قائلاً " فاتني أن اذكر دور بدو سيناء في الحفاظ على حدودنا الشرقية أثناء محاولة بريطانيا الدخول منها ,حيث قتل البدو الجاسوس البريطاني (بالمر) لما توجسوا منه شكا" ,وفي الختام لابد أيها السادة أن أشير إلى المحاضرة الأخيرة التي أثارت فيّ شجونا بالغة وهي علاقة مصر بإفريقيا التي كانت مصر لها اليد الطولي فيها أيام الباشا محمد علي أحفاده من بعده , لكن ما وصلنا إليه الآن أن مصر قد انسلخت من محيطها الإفريقي بما يعد تهديداً لأمنها القومي , ودخلت قوى كبرى تعبث في ملفات ساخنة هناك ,فقامت المحاضرة بدق ناقوس الخطر ,كيما يسمع من له قلب أو القي السمع وهو شهيد , ولبثت برهة ثم صمتت جميع الأصوات من السياسي والمؤرخ مرورا بالاجتماعي حتى الوصول الى المثقف وذلك لأنني كان علي أن أنام لكي استيقظ مستعدا لفعاليات اليوم الأخير من الدورة التدريبية , بالرغم مما أصابني من الحزن على عدم استطالتها زمنيا , إلا أنني قلت أن تلك طبيعة الحياة , التي لا يستمر فيها شيء على حال , ولابد أن ينقضي ما هو قائم , حتى تستكمل مسيرة العلم والمعرفة من أناس آخرين .
رسالة أحدث رسالة أقدم الصفحة الرئيسية
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
0 التعليقات:
إرسال تعليق